كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْمُخَيَّرُ منْهُنَّ أَرْبَعٌ: الْأُولَى: سَوْدَةُ بنْتُ زَمْعَةَ، تَجْتَمعُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في لُؤَيٍّ.
الثَّانيَةُ: عَائشَةُ بنْتَ أَبي بَكْرٍ، تَجْتَمعُ مَعَ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في الْأَب الثَّامن.
الثَّالثُ: حَفْصَةُ بنْتُ عُمَرَ بْن الْخَطَّاب، تَجْتَمعُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في الْأَب التَّاسع.
الرَّابعَةُ: أُمُّ سَلَمَةَ بنْتُ أَبي أُمَيَّةَ بْن الْمُغيرَة بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مَخْزُومٍ، تَجْتَمعُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في الْأَب السَّابع.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ منْ الْمُفَسّرينَ أَنَّ الْمُخَيَّرَات منْ أَزْوَاج النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ تسْعٌ، وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ أُمَّ حَبيبَةَ وَزَيْنَبَ ممَّنْ سَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ النَّفَقَةَ، وَنَزَلَ لأَجْلهنَّ آيَةُ التَّخْيير.
وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ عَظيمٌ؛ فَإنَّ في الصَّحيح كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ في الْحَديث الْمُتَقَدّم: فَدَخَلْت عَلَى عَائشَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْزلَ الْحجَابُ؛ وَإنَّمَا نَزَلَ الْحجَابُ في وَليمَة زَيْنَبَ، وَكَذَلكَ إنَّمَا زَوَّجَ أُمَّ حَبيبَةَ منْ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ النَّجَاشيُّ بالْيَمَن، وَهُوَ أَصْدَقَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ بهَا إلَيْه منْ الْيَمَن، وَذَلكَ سَنَةَ ستٍّ.
وَأَمَّا الْكلَابيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَمْ يَبْن بهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ.
وَيُقَالُ: إنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا منْهُ، وَقَالَ لَهُ: إنَّهَا لَمْ تَمْرَضْ قَطُّ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: مَا لهَذه قَدْرٌ عنْدَ اللَّه، فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَبْن بهَا، وَقَوْلُ ابْن شهَابٍ: إنَّهَا كَانَتْ بَدَويَّةً، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَصحَّ.
وَقَوْلُ رَبيعَةَ: إنَّهَا كَانَتْ أَلْبَتَّةَ لَمْ يَثْبُتْ وَإنَّمَا بَنَاهُ مَنْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ رَبيعَةَ في التَّخْيير بَتَاتٌ، وَيَأْتي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} وَهُوَ شَرْطٌ جَوَابُهُ {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} فَعَلَّقَ التَّخْييرَ عَلَى شَرْطٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْييرَ وَالطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَيْن عَلَى شَرْطٍ صَحيحَان، يَنْفُذَان وَيَمْضيَان، خلَافًا للْجُهَّال الْمُبْتَدعَة، الَّذينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لزَوْجَته: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالقٌ إنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ لأَنَّ الطَّلَاقَ الشَّرْعيَّ هُوَ الْمُنْجَزُ لَا غَيْرَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينَتَهَا} مَعْنَاهُ إنْ كُنْتُنَّ تَقْصدْنَ الْحَالَةَ الْقَريبَةَ منْكُنَّ؛ فَإنَّ للْإنْسَان حَالَتَيْن: حَالَةٌ هُوَ فيهَا تُسَمَّى الدُّنْيَا، وَحَالَةٌ لابد أَنْ يَصيرَ إلَيْهَا وَهيَ الْأُخْرَى، وَتَقْصدْنَ التَّمَتُّعَ بمَا فيهَا، وَالتَّزَيُّنَ بمَحَاسنهَا، سَرَحْتُكُنَّ لطَلَب ذَلكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُريدُ حَرْثَ الْآخرَة نَزدْ في حَرْثه وَمَنْ كَانَ يُريدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْته منْهَا وَمَا لَهُ في الْآخرَة منْ نَصيبٍ}.
وَلَابُدَّ للْمَرْء منْ أَنْ يَكُونَ عَلَى صفَتَيْن: إمَّا أَنْ يَلْتَفتَ إلَى هَذه الْحَالَة الْقَريبَة، وَيَجْمَعَ لَهَا، وَيَنْظُرَ فيهَا وَمنْهَا.
وَإمَّا أَنْ يَلْتَفتَ إلَى حَالَته الْأُخْرَى، فَإيَّاهَا يَقْصدُ، وَلَهَا يَسْعَى وَيَطْلُبُ؛ وَلذَلكَ اخْتَارَ اللَّهُ لرَسُوله الْحَالَةَ الْأُخْرَى، فَقَالَ لَهُ: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا لنَفْتنَهُمْ فيه وَرزْقُ رَبّك خَيْرٌ وَأَبْقَى} يَعْني رزْقَهُ في الْآخرَة؛ إذْ الْمَرْءُ لابد لَهُ أَنْ يَأْتيَهُ رزْقُهُ في الدُّنْيَا طَلَبَهُ أَوْ تَرَكَهُ فَإنَّهُ طَالبٌ لَهُ طَلَبَ الْأَجَل.
وَأَمَّا رزْقُهُ في الْآخرَة فَلَا يَأْتيه إلَّا وَيَطْلُبُهُ، فَخَيَّرَ اللَّهُ أَزْوَاجَ نَبيّه في هَذَا ليَكُونَ لَهُنَّ الْمَنْزلَةُ الْعُلْيَا، كَمَا كَانَتْ لزَوْجهنَّ.
وَهَذَا مَعْنَى مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَليٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُخَيّرْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ نسَاءَهُ إلَّا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخرَة، وَلذَلكَ قَالَ الْحَسَنُ: خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخرَة، وَبَيْنَ الْجَنَّة وَالنَّار.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامنَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فيمَنْ لَوْ اخْتَارَتْ منْهُنَّ الدُّنْيَا مَثَلًا، هَلْ كَانَتْ تَبينُ بنَفْس الاخْتيَار أَمْ لَا؟ فَمنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَبينُ، لمَعْنَيَيْن: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اخْتيَارَ الدُّنْيَا سَبَبُ الافْترَاق؛ فَإنَّ الْفرَاقَ إذَا وَقَعَ لَا يَتَعَلَّقُ باخْتيَاره إمْضَاؤُهُ؛ أَصْلُهُ يَمينُ اللّعَان.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ؛ هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ باللّعَان بنَفْس الْيَمين الَّتي هيَ سَبَبُ الْفرَاق، أَمْ لابد منْ حُكْم الْحَاكم؟ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ في مَسَائل الْخلَاف.
الثَّاني: أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لزَوْجَته: اخْتَاري نَفْسَك وَنَوَى الْفرَاقَ وَاخْتَارَتْ، وَقَعَ الطَّلَاقُ.
وَالدُّنْيَا كنَايَةٌ عَنْ ذَلكَ، وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْن.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ} هُوَ جَوَابُ الشَّرْط، وَهُوَ فعْلُ جَمَاعَة النّسَاء، منْ قَوْلك: تعالى، وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى الْإقْبَال إلَيْه، تَقُولُ: تَعَالَى بمَعْنَى أَقْبلْ وُضعَ لمَنْ لَهُ جَلَالَةٌ وَرفْعَةٌ، ثُمَّ صَارَ في الاسْتعْمَال مَوْضُوعًا لكُلّ دَاعٍ إلَى الْإقْبَال.
وَأَمَّا في هَذه الْمَوَاضع فَهُوَ عَلَى أَصْله؛ فَإنَّ الدَّاعيَ هُوَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ في أَرْفَع رُتْبَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشرَةُ: قَوْله تَعَالَى: {أُمَتّعْكُنَّ} وَقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَة الْبَقَرَة.
الْمَسْأَلَةُ الْحَاديَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {أُسَرّحْكُنَّ} مَعْنَاهُ أُطَلّقُكُنَّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ في السَّرَاح في سُورَة الْبَقَرَة.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانيَةَ عَشْرَةَ: وَهيَ مَقْصُودُ الْبَاب وَتَحْقيقُهُ في بَيَان الْكتَاب، وَذَلكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا في كَيْفيَّة تَخْيير النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ لأَزْوَاجه عَلَى قَوْلَيْن: الْأَوَّلُ: كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ خَيَّرَ أَزْوَاجَهُ بإذْن اللَّه في الْبَقَاء عَلَى الزَّوْجيَّة، أَوْ الطَّلَاق.
فَاخْتَرْنَ الْبَقَاءَ مَعَهُ، قَالَتْهُ عَائشَةُ، وَمُجَاهدٌ، وَعكْرمَةُ، وَالشَّعْبيُّ، وَابْنُ شهَابٍ، وَرَبيعَةُ.
وَمنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ التَّخْييرُ بَيْنَ الدُّنْيَا فَيُفَارقُهُنَّ، وَبَيْنَ الْآخرَة فَيُمْسكُهُنَّ، وَلَمْ يُخَيّرْهُنَّ في الطَّلَاق، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَمنْ الصَّحَابَة عَليٌّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْد الْحَكَم: مَعْنَى خَيَّرَهُنَّ قَرَأَ عَلَيْهنَّ الْآيَةَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ذَلكَ بلَفْظ التَّخْيير؛ فَإنَّ التَّخْييرَ إذًا قَبْلَ ثَلَاثٍ، وَاَللَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلّقَ النّسَاءَ لعدَّتهنَّ، وَقَدْ قَالَ: {سَرَاحًا جَميلًا} وَالثَّلَاثُ لَيْسَ ممَّا يَجْمُلُ؛ وَإنَّمَا السَّرَاحُ الْجَميلُ وَاحدَةٌ لَيْسَ الثَّلَاثُ الَّتي يُوجبُهُنَّ قَبُولُ التَّخْيير.
قَالَ الْقَاضي رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا عَائشَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلكَ عَنْهَا قَطُّ، إنَّمَا الْمَرْويُّ عَنْهَا أَنَّ مَسْرُوقًا سَأَلَهَا عَنْ الرَّجُل يُخَيّرُ زَوْجَتَهُ فَتَخْتَارُهُ، أَيَكُونُ طَلَاقًا؟ فَإنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فيه.
فَقَالَتْ عَائشَةُ: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ نسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ، أَكَانَ ذَلكَ طَلَاقًا؟ خَرَّجَهُ الْأَئمَّةُ وَرُويَ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا، فَلَا وَجَدُوا لَفْظَ خَيَّرَ في حَديث عَائشَةَ، وَقَوْلُهَا: لَمَّا أُمرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بتَخْيير نسَائه بَدَأَ بي، فَقَالَ: إنّي ذَاكرٌ لَك أَمْرًا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْوَاجك إنْ كُنْتُنَّ}.
وَلَيْسَ في هَذَا تَخْييرٌ بطَلَاقٍ كَمَا زَعَمُوا، وَإنَّمَا يَرْجعُ الْأَوَّلُ إلَى أَحَد وَجْهَيْن: التَّخْييرُ بَيْنَ الدُّنْيَا، فَيُوقَعُ الطَّلَاقُ؛ وَبَيْنَ الْآخرَة فَيَكُونُ الْإمْسَاكُ، وَلهَذَا يَرْجعُ قَوْلُهُمْ إلَى آيَة التَّخْيير، وَقَوْلُهَا، خَيَّرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ نسَاءَهُ، أَوْ أُمرَ بتَخْيير نسَائه، فَإنَّمَا يَعُودُ ذَلكَ كُلُّهُ إلَى هَذَا التَّفْسير منْ التَّخْيير.
وَاَلَّذي يَدُلُّ عَلَيْه أَنَّهُ قَدْ سَمَّى كَمَا تَقَدَّمَ آيَةَ التَّخْيير: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا منْكُنَّ}.
وَلَيْسَ للتَّخْيير فيهَا ذكْرٌ لَفْظيٌّ، وَلَكنْ لَمَّا كَانَ فيهَا مَعْنَى التَّخْيير نَسَبَهَا إلَى الْمَعْنَى.
الثَّاني: أَنَّ ابْنَ عَبْد الْحَكَم قَدْ قَالَ: إنَّ مَعْنَى خَيَّرَهُنَّ قَرَأَ عَلَيْهنَّ آيَةَ التَّخْيير؛ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَيّرَهُنَّ بلَفْظ التَّخْيير صَحيحٌ.
وَالدَّليلُ عَلَيْه نَصُّ الْآيَة؛ فَإنَّ التَّخْييرَ فيهَا إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَ الْآخرَة، فَيَكُونُ التَّمَسُّكُ؛ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ الْفرَاقُ؛ وَهُوَ ظَاهرٌ منْ نَصّ الْآيَة، وَلَيْسَ يَدُلُّ عَلَيْه مَا قَالَ منْ أَنَّ التَّخْييرَ ثَلَاثٌ، وَاَللَّهُ أَمَرَهُ بأَنْ يُطَلّقَ النّسَاءَ لعدَّتهنَّ؛ فَإنَّ كَوْنَ قَبُول الْخيَار ثَلَاثًا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلَا يَصحُّ لأَحَدٍ أَنْ يَسْتَدلَّ عَلَى حُكْمٍ بمَذْهَبٍ بقَوْلٍ يُخَالفُ فيه؛ فَإنَّ أَبَا حَنيفَةَ وَأَحْمَدَ يَقُولَان: إنَّهَا وَاحدَةٌ في تَفْصيلٍ، وَقَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ قَالَ: سَرَاحًا جَميلًا.
وَالثَّلَاثُ ممَّا لَا يَجْمُلُ خَطًَا؛ بَلْ هيَ ممَّا يَجْمُلُ وَيَحْسُنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَان فَإمْسَاكٌ بمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْريحٌ بإحْسَانٍ} فَسَمَّى الثَّلَاثَ تَسْريحًا بإحْسَانٍ.
فَإنْ قيلَ: إنَّمَا تُوصَفُ بالْإحْسَان إذَا فُرّقَتْ؛ فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ جُمْلَةً فَلَا.
قُلْنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ فَإنَّ الثَّلَاثَ فُرْقَةُ انْقطَاعٍ، كَمَا أَنَّ التَّخْييرَ عنْدَك فُرْقَةُ انْقطَاعٍ.
وَإنَّمَا الْمَعْنَى السَّرَاحُ الْجَميلُ، وَالسَّرَاحُ الْحَسَنُ فُرْقَةٌ منْ غَيْر ضَرَرٍ، كَانَتْ وَاحدَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَلَيْسَ في شَيْءٍ ممَّا ظَنَّهُ هَذَا الْعَالمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالثَةَ عَشْرَةَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسم، وَابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالكٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ لعَائشَةَ: «ابْعَثي إلَى أَبَوَيْك».
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه لمَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَني أَنْ أُخَيّرَكُنَّ.
فَقَالَتْ: إنّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَرَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ ذَلكَ.
فَقَالَتْ لَهُ عَائشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه؛ إنَّ لي إلَيْك حَاجَةً؛ لَا تُخَيّرْ منْ نسَائك مَنْ تُحبُّ أَنْ تُفَارقَني فَخَيَّرَهُنَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ جَميعًا فَكُلُّهُنَّ اخْتَرْنَهُ.
قَالَتْ عَائشَةُ: خَيَّرَنَا فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا.
وَفي الصَّحيح عَنْ عَائشَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ وَبَدَأَ بي، فَقَالَ: يَا عَائشَةُ؛ إنّي ذَاكرٌ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَلَّا تُعَجّلي حَتَّى تَسْتَأْمري أَبَوَيْك.
قَالَتْ: وَقَدْ عَلمَ وَاَللَّه أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَاني بفرَاقه، فَقَرَأَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْوَاجك إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحًا جَميلًا وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ فَإنَّ اللَّهَ أَعَدَّ للْمُحْسنَات منْكُنَّ أَجْرًا عَظيمًا}.
فَقُلْت: أَوَفي هَذَا أَسْتَأْمرُ أَبَوَيَّ، فَإنّي أُريدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ.
هَذه روَايَةُ مَعْمَرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الزُّهْريّ عَنْ عَائشَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ أَيُّوبُ: قَالَتْ عَائشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه، لَا تُخْبرْ أَزْوَاجَك أَنّي اخْتَرْتُك؛ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْني مُتَعَنّتًا إنَّمَا بَعَثَني مُبَلّغًا».
وَفي روَايَةٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى أَزْوَاجه الْآيَةَ وَيَقُولُ قَدْ اخْتَارَتْني عَائشَةُ فَاخْتَرْنَهُ كُلُّهُنَّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابعَةَ عَشْرَةَ: رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالكٍ قَالَ: لَمَّا خَيَّرَهُنَّ اخْتَرْنَهُ، فَقَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهنَّ، وَنَزَلَتْ: {لَا يَحلُّ لَك النّسَاءُ منْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بهنَّ منْ أَزْوَاجٍ}.
وَسَيَأْتي بَيَانُ هَذه الْآيَة في مَوْضعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامسَةَ عَشْرَةَ: قَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ وَقَعَ التَّخْييرُ في هَذه الْآيَة، وَمَسْأَلَةُ التَّخْيير طَويلَةٌ عَريضَةٌ، لَا يَسْتَوْفيهَا إلَّا الْإطْنَابُ بالتَّطْويل مَعَ اسْتيفَاء التَّفْصيل، وَذَلكَ لَا يُمْكنُ في هَذه الْعُجَالَة، وَبَيَانُهُ في كُتُب الْفقْه، فَنُشيرُ منْهُ الْآنَ إلَى طَرَفَيْن: أَحَدُهُمَا: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ.
الثَّاني: إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا.
أَمَّا الطَّرَفُ الْأَوَّلُ إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فيه؛ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَإحْدَى روَايَتَيْ زَيْدٍ، وَعَليٍّ، إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
وَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعيَّةٌ عَليٌّ وَزَيْدٌ في الرّوَايَة الْأُخْرَى، وَالْحَسَنُ، وَرَبيعَةُ، وَتَعَلَّقُوا بأَنَّ قَوْلَهُ: اخْتَاري كنَايَةٌ عَنْ إيقَاع الطَّلَاق؛ فَإذَا أَضَافَهُ إلَيْهَا وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، كَقَوْله، أَنْت بَائنٌ.
وَدَليلُنَا قَوْلُ عَائشَةَ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاه.
أَفَكَانَ ذَلكَ طَلَاقًا، فَإنْ قيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: إنَّ تَخْييرَ عَائشَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الزَّوْجيَّة وَالْفرَاق، وَإنَّمَا كَانَ بَيْنَ الْبَقَاء فَيُمْسكُ، وَبَيْنَ الْفرَاق فَيَسْتَأْنفُ إيقَاعَهُ، وَإذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا عنْدَكُمْ فَلَا حُجَّةَ فيه عَلَيْنَا منْكُمْ.
قُلْنَا: كَذَلكَ قُلْنَا، وَكَذَلكَ كَانَ.
وَقَوْلُكُمْ: لَا حُجَّةَ فيه لَيْسَ كَذَلكَ؛ بَلْ حُجَّتُهُ ظَاهرَةٌ؛ لأَنَّكُمْ قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهَا كنَايَةٌ، فَكَانَ منْ حَقّكُمْ أَنْ تَقُولُوا: إنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بهَذَا أَيْضًا.
فَإذَا قُلْتُمْ في هَذه الصُّورَة: إنَّهُ لَا يَقَعُ، كَانَتْ الْأُخْرَى مثْلَهَا؛ لأَنَّهُمَا كنَايَتَان، فَلَوْ لَزمَ الطَّلَاقُ بإحْدَاهُمَا لَزمَ بالْأُخْرَى؛ لأَنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَبهَذَا احْتَجَّتْ عَائشَةُ رَضيَ اللَّهُ عَنْهَا لسعَة علْمهَا، وَعَظيم فقْههَا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا إيقَاعٌ بَاطلٌ، وَإنَّمَا هُوَ تَخْييرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فرَاقه، وَهُمَا ضدَّان، لَيْسَ اخْتيَارُ أَحَدهمَا اخْتيَارًا للثَّاني بحَالٍ.
وَأَمَّا الطَّرَفُ الثَّاني: وَهُوَ إذَا اخْتَارَتْ الْفرَاقَ فيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ منْ غَيْر نيَّةٍ وَلَا بَيْنُونَةٍ.
فَإنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُول فَلَهُ مَا نَوَى.
هَذَا مَذْهَبُ مَالكٍ، وَبه قَالَ اللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْريُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ.
الثَّاني: رُويَ عَنْ عَليٍّ أَنَّهَا وَاحدَةٌ بَائنَةٌ منْ غَيْر نيَّةٍ وَلَا مَبْتُوتَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبي حَنيفَةَ.
الثَّالثُ: قَالَ الشَّافعيُّ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا نَوَيَاهُ جَميعًا، وَلَا يَقَعُ منْهُ إلَّا مَا اتَّفَقَا عَلَيْه جَميعًا، فَإنْ اخْتَلَفَا وَقَعَ الْأَقَلُّ، وَبَطَلَ الْأَكْثَرُ.
وَدَليلُنَا أَنَّ الْمُقْتَضيَ لقَوْله: اخْتَاري أَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْه سَبيلٌ، وَلَا يَمْلكَ منْهَا شَيْئًا؛ إذْ قَدْ جَعَلَ إلَيْهَا أَنْ تُخْرجَ مَا يَمْلكُهُ منْهَا عَنْهُ أَوْ تُقيمَ مَعَهُ، فَإذَا أَخْرَجَتْ الْبَعْضَ لَمْ يَعْمَلْ بمُقْتَضَى اللَّفْظ، وَكَانَ بمَنْزلَة مَنْ خُيّرَ بَيْنَ شَيْئَيْن فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنيفَةَ بأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بخَبَرٍ منْ جهَتهَا، وَذَلكَ لَا يَفْتَقرُ إلَى نيَّتهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالقٌ فَإنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحدَةٌ كَخيَار الْمُعْتَقَة.
الْجَوَابُ: إنَّا نَقُولُ: أَمَّا اعْتبَارُ نيَّتهَا فلابد منْهُ؛ لأَنَّهَا مُوقعَةٌ للطَّلَاق بمَنْزلَة الْوَكيل، وَلَا يَصحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بفعْلهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَوْكيلٌ وَنيَابَةٌ، وَأَمَّا خيَارُ الْمُعْتقَة فَلَا نُسَلّمُهُ، بَلْ هُوَ ثَلَاثٌ.
وَاحْتَجَّ الشَّافعيُّ بأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرنْ به لَفْظُ الثَّلَاث وَلَا نيَّتُهَا.
الْجَوَابُ: إمَّا نَقُولُ: قَدْ اقْتَرَنَ به لَفْظُهَا كَمَا بَيَّنَّاه.
الْمَسْأَلَةُ السَّادسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَإنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخرَةَ} اعْلَمُوا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ علْمَهُ وَأَفَاضَ عَلَيْكُمْ حُكْمَهُ أَنَّ الْمَوْجُودَات عَلَى قسْمَيْن: قَديمٌ وَمُحْدَثٌ، وَخَالقٌ وَمَخْلُوقٌ، وَالْمَخْلُوقُ وَالْمُحْدَثُ عَلَى قسْمَيْن: حَيَوَانٌ وَجَمَادٌ.
وَالْحَيَوَانُ عَلَى قسْمَيْن: مُكَلَّفٌ، وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَالْمُكَلَّفُ حَالَتَان: حَالَةٌ هُوَ فيهَا، وَحَالَةٌ هُوَ مَنْقُولٌ إلَيْهَا، كَمَا قَدَّمْنَاه.
وَالْحَالَةُ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهَا هيَ الْحَبيبَةُ إلَى اللَّه الْمَمْدُوحَةُ منْهُ، وَالْحَالَةُ الَّتي هُوَ فيهَا هيَ الْمُبْغَضَةُ إلَى اللَّه الْمَذْمُومَةُ عنْدَهُ؛ فَإنْ رَكَنَ إلَيْهَا، وَعَملَ بمُقْتَضَاهَا منْ الشَّهَوَات وَاللَّذَّات، وَأَهْمَلَ الْحَالَةَ الَّتي يَنْتَقلُ إلَيْهَا، وَهيَ الْمَحْمُودَةُ، هَلَكَ.
وَإنْ كَانَ مَقْصدُهُ في هَذه الْحَالَة الْقَريبَة تلْكَ الْآخرَةَ، وَكَانَ لَهَا يَعْمَلُ، وَإيَّاهَا يَطْلُبُ، وَاعْتَقَدَ نَفْسَهُ بمَنْزلَة الْمُسَافر إلَى مَقْصدٍ، فَهُوَ في طَريقه يَعْبُرُ، وَعَلَى مَسَافَته يَرْتَحلُ؛ وَقَلْبُ الْأَوَّل مَعْمُورٌ بذكْر الدُّنْيَا، مَغْمُورٌ بحُبّهَا، وَقَلْبُ الثَّاني مَغْمُورٌ بذكْر اللَّه، مَعْمُورٌ بحُبّه، وَجَوَارحُهُ مُسْتَعْمَلَةٌ بطَاعَته، فَقيلَ لأَزْوَاج النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَقْصدْنَ الدَّارَ الْآخرَةَ وَثَوَابَهُ فيهَا، فَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ ثَوَابَكُنَّ وَثَوَابَ أَمْثَالكُنَّ في أَصْل الْقَصْد لَا في مقْدَاره وَكَيْفيَّته.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُ مَحَبَّةً في اللَّه وَرَسُوله لذَاتَيْهمَا، وَفي الدَّار الْآخرَة لمَا فيهَا منْ مَنْفَعَة الثَّوَاب.